….فقامت أمي بالدعاء مع القادة الجنرالات وهي تسأل الله عز وجل ان يرزقهم من فضله ويطيل في عمرهم لا تعلم امي المسكينة ان هؤلاء القادة الذين تدعوا لهم ليس لديهم لا دين ولا ملة ملاحدة لا يؤمنون حتى بوجود الله الخالق البارئ وبوجود الجنة والنار فهم يعتقدون بأنهم هم الالهة المطلقة لشعب الجزائر وان بيدهم الجنة والنار يدخلون من يشاؤون نعيهم الجنة ويشوون من يعارضهم بنار جهنم الخاصة بهم وانهم يملكون مفاتيح رزق العباد فبقرار صغير منهم تنعم البلاد في الرخاء والرفاهية وبقرار آخر مثله يسود الارض الفقر والقحط والجفاف فراعنة نبي الله يوسف عادوا للظهور في زمننا هذا وجعلوا من ارض الجزائر الحبيبة مصرا جديدة…وفجأة شهقت أمي شهقة فزع وهي ترفع رأسها للطابق العلوي ففي غرفة النوم اطلقت حورية صرخة مدوية يملأها الخوف والرعب لم اعرف كيف قطعت المسافة بين الطابق الارضي والطابق العلوي ولا كيف ولا كيف صعدت الدرج بهذه السرعة الكاملة والمسدس في يدي…
دخلت بقوة الى غرفة النوم وانا اصرخ في حورية وأحيل بصري في المكان بحذر وسرعة افتش عن عدو وهمي ماذا حصل بك لماذا تصرخين ؟ اجابتني وهي خائفة انا ايضا افقت مرعوبة فلقد تلقيت ضربة موجعة في بطني زاد شكي فاتجهت مباشرة الى النافذة وفحصتها جيدا فوجدتها مغلقة بإحكام كما تركتها في الصباح فنظرت اليها بشك وانا اصرخ في وجهها ماذا حل بك يا امرأة من الذي ضربك في بطنك تكلمي ابتسمت ابتسامة إغراء اعرفها جيدا وقالت بأنوثة ودلال انه ابنك بلال الشقي وهذه اول ركلة من ركلته لي فجأة تحول كل ذاك البركان الغاضب الذي كان بصدري الى حنان جارف لم اتعوده حتى في نفسي وجلست على حافة السرير وانا امسح شعرها بيدي واقول لها بحنان وهمس اذن ابننا هو سبب هذا الفزع كله قلت لك انه سيكون شقي مثل والده ووضعت اذني على بطنها وانا اتوقع ان اسمعه يناديني بابا وهو في بطن امه وبالفعل حدثت المعجزة فجأة…
احم احم ابني ماذا وقع لقد ارعبتني صرخة حورية كانت هذه امي وصلت متأخرة وهي تلهث اجبتها باسما لا شيء يا امي انه حفيدك بلال يتعلم الركل والعراك في بطن امه اتجهت امي مباشرة الى حورية وهي تقول لها بلهجة الام المجربة لا عليك يا ابنتي ستعتادين على مثل هذه الحركات لا تقلقي فهي تكون قليلة عند الاطفال وهي علامة على سلامة الطفل وعلى خفة دمه لا تقلقي يا ابنتي اجابتها حورية وهي مستمرة في دلالها هذه اول ركلة له في بطني اظنه سيكون لاعب كرة قدم كبير وارجو ان يكون مثل رابح مادجر وهمست في اذن امي وهي تقول امي لا اريده ان يكون مثل ابيه نظرت اليها امي معاتبة “واعلاه يا ابنتي ياكما باباه شين” زاد صوت حورية همس وهي تقول بل اسي احمد اوسم رجل في دزاير واذا كان ولدي سيشبهه في الوسامة سأكون اسعد سيدة تملك قمرين في بيتها ولكن يا امي حياة اسي احمد كلها مخاطر ومشاكل ومسدسات وغدر وانا اريد لابني حياة مستقرة يعيش فيها بأمن وامان تهجم وجه والدتي وردت عليها بغضب وهي تقول بصوت خافت و تعض على اسنانها هذه الحياة التي تريدين لابنك هي حياة الذل والمهانة والهوان اما الرجال الابطال فهي التي تخترق الاهوال والمخاطر لنيل الشرف والرفعة والعزة…
أنا كنت أتصنع اني مشغول بالبحث في هاتفي الخاص ولكني في الحقيقة كنت استمع باهتمام الى حوار الاجيال هذا ووجدت انه لو اردت لابني الحياة التي تتمناها له امه فعلي الهرب من دزاير والهجرة الى اي بلد اروبي حيث تتحقق فيه احلام حورية وان اردت ان احقق رغبة امي وان يعيش طفلي المغامرات والمخاطر ويموت في الاخير برصاصة غادرة فما علي الا الاستمرار في العيش ببلاد ميكي …..
افادتني دروس اللغة التي كنت اتلقاها لتعليم اللغات رغم المدة القصيرة الا ان كفاءة الاساتذة النادرة في اللغة الاسبانية جعلتني اتمكن من تعلم معظم الكلمات والجمل التي تجعلني اتحاور بسلاسة مع اي اسباني وكان لذالك نتيجة ايجابية في صفقتي التي عقدتها في برشلونة بإسبانيا واستطعت جلب كمية هائلة من اللحوم الفاسدة بثمن اقل بكثير من الثمن الذي اقترحه علي القادة بالجزائر فكانت صفقة ناجحة بكل المقاييس ستسرع بالتأكيد من ترقيتي المرتقبة وبعد ان اتممت الاجراءات الرسمية لشحن البضاعة وتأكدت من ولوجها مخزن الباخرة المتوجهة الى مستغانم ووكلت احد رجالي التقاة مهمة مرافقتها الى البلاد ….
توجهت الى مدينة ليون الفرنسية لعقد صفقة الادوية المحظورة عالميا وحاولت التفاوض مع صاحب هذه الادوية ايضا وشرائها بثمن اقل الا ان بخل الفرنسي يجري في دمه فلم استطع الا خفض بعض مئات الاوروات من الثمن الاصلي وحملت البضاعة في الشاحنات وتوجهت مباشرة الى ميناء مرسيليا حيث كانوا رجالي قد اعدوا العدة لكل شيء وجدت الاوراق وحجز الباخرة قد تموا بلا مشاكل او عراقيل حملنا الشحنة في مرفأ الباخرة وصعدت الى سطح الباخرة كعادتي أدخن سيجارتي وانتظر ظهور ميناء ومنازل وهران من العدم اخذت قهوتي وانا غارق في تفكيري وفي مقارنتي البسيطة ففي اروبا يكثر الضباب والغيام وتقل رؤية الشمس والجو على العموم كئيب الا ان المواطن الأوروبي سعيد بحاله وراض كل رضى عنه والاكثر من كل هذا يستطيعون النظر الى السماء بكل حرية و متعة ولكل ناظر الى السماء غاية فهذا يبحث عن الشمس و الدفئ وذاك يتابع نجما في المجرة الشمسية يقوم بدراسته والاخر يحاول ان يجد حكاية يرويها لابنه قبل ان ينام وآخر ينظر الى السماء وهو يحلم يوما ما ان يعيش على سطح القمر ويخطط لذالك المهم انهم يرون السماء بكل حرية و بساطة وبلا تعقيد…
أما في بلادي بلاد لعجب فالسماء صافية على طول السنة ولا ضباب يحجب رؤية الشمس او غيوم تضايق منظر البجوم الا ان الزوالي الجزائري تجد رأسه محني للأسفل ووجهه في الارض لا يستطيع ان يرفع رأسه الى السماء اهي احزان وألام وفقر ومعاناة اتقلت عليه رأسه وأحنته ام هناك شخص يبحث في ارض الجزائر هل فعلا يوجد عندنا بترول وغاز ام هي مجرد اشاعات والاخر ينظر الى الارض بحثا عن دينار ساقط من احدهم والاخر بعدما اغتصبوا زوجته امامه لم يعد يستطيع رفع رأسه واصبح رأسه في التراب وهذا ينظر في الارض خوفا من ان تطأ قدماه موقعا لا يرضي الضباط فيجد نفسه مقيد الحرية وذاك يبحث عن قبر له في الارض هروبا من هم السعي خلف لقمة العيش والبحث عن السكن اللائق فلم يجد الا الارض لتقبل به شتان ما بين رأسه مرفوع ينظر الى السماء بكل جرأة وأمل ومن يمرغ وجهه في التراب كالنعامة الخائفة…
وصلنا يا شيكور قالها لي احد رجالي بخفوت فقد كنت شبه نائم وسط هذه الافكار الثورية التي تزورني من حين للأخر واخيرا لاحت منازل وهران العزيزة على قلبي ومينائها المشهور رست السفينة في الميناء وبدأنا بالهبوط واخذ رجالي في تحميل الشحنة التي سيتم وضعها في مخازن الدولة الخاصة ووجدت في استقبالي الضابط الشاب شخصيا بسيارة فاخرة وابتسامة عريضة على وجهه وهو يقول لي على السلامة السي احمد اجبته مستغربا شكرا هذه اول مرة تستقبلني بنفسك في الميناء اجابني بنفس الابتسامة القادة فرحون بنجاحك الذي حققته لذالك قرروا استقبالك بأنفسهم قلت له مترددا ولكني لم اطمن امي وزوجتي بعد فهم ينتظرونني بالبيت اجابني قائلا لا تقلق لقد وصلتهم هدية فخمة من القيادة واخبروهم بأمر تأخرك قلت له باقتناع ان كان الامر كذالك فلا مانع عندي ركبنا سيارة الضابط و صوت الشاب مامي في المذياع يغني ويقول “بلادي هي الجزاير وعليها راني حاير” فعلا مند ان اشتغلت مع النظام وانا في حيرة من امري ارى واسمع امور غريبة لم اكن اتوقعها في ابشع كوابيسي الا انني ولكن لا أنكر ان حالتي تحسنت معهم كثيرا جدا أتعلم مع من سنلتقي سألني الضابط فجأة فأجبته متسائلا بدوري لا لا أعلم ؟ اجابني بزهو وافتخار ستلتقي بضابط رفيع المستوى ستلتقي بالجنرال احمد طالح شخصيا………….يتبع