توجهت إلى المنزل وأنا شارد الذهن أفكر في هذه الأحداث الأخيرة وتسارع وثيرتها مع حمل حورية المفاجئ ولم ألاحظ ظل رجل يختفي وراء شجرة وفي عينيه الغدر والقتل فما إن وطأت قدماي أول درجة في سلم المنزل حتى إستل الرجل المختفي سكين حادة وقفز نحوي يحاول طعني وأنا غارق في همي وأفكاري التي تهدد حياتي بالموت وأنا شارد الذهن غير مبالي بما يدور حولي سمعت صوت رجل يقول بعنف يا إبن الحرام تريد أن تقتل الشيكور بهذه السهولة إلتفت بسرعة فإذا برجلان لا أعرفهما يمسكان بالرجل صاحب السكين وهو ينظر لي بحقد وغل ويقول بمقت “يا الشكام أولد الحرام تبلغ سيادك الخبار” لم أعرف هذا الرجل ولم يسبق لي أن رأيته من قبل ولكن من الواضح أنه مرسل من طرف أحد الأعداء الحقودين ولم يقف القاتل عن الكلام بل بدأ يسب في شرفي وشرف أمي وزوجتي وعشيرتي في هذه اللحظة لم أشعر بنفسي إلا والمسدس في يدي ورصاصة إنفجرت وسط رأس القاتل المأجور…
وهنا قاطعت الشيكور العجوز وأنا أسأله بصدق أكان القتل هكذا مباح لهذه الدرجة في الجزائر نظر لي نظرة حزن وهو يقول الإحصائيات الرسمية والأجنبية قالت أنه قتل مائة ألف شخص في العشرية السوداء وأنا أقول لك يا ولدي الحقيقة فعدد القتلى في الجزائر خلال تلك المرحلة يفوق المائتين وخمسين ألف قتيل أما المختفون ومجهولي المصير فيفوق المائة ألف شخص سألته صادقا أو هكذا الدم الجزائري رخيص لهذا الحد ليس له أهل يأخذون بثأره وليس له دية تنهد الشيكور بحزن كأنما يتذكر ذكريات مؤلمة تصور أنه في تلك المرحلة كنا نقتل الشخص لمجرد الإشتباه بأنه يعارض النظام أو أنه على صلة بجهات معادية لحكم العسكر ثم أخذ نفسا وهو يقول بل كنا نقتل لمجرد التسلية وإشباع رغباتنا السادية أذكر أني عندما كنت أزور قائد المعتقل كنت أتسلى بالقتل…
إذن وضحت الصورة فالشخص الذي كان يتسلى بتعذيبنا وبرمينا بالرصاص لم يكن إلا هذا القاتل المحترف صعدت إلى رأسي دماء الإنتقام وروح الثائر ومددت يدي بسرعة لأجلب مسدسي إلا أن العقلية العلمية غلبت على مشاعري البدائية هذه وقلت لنفسي لأصبر على الإنتقام الأن وأسجل هذه الأسرار والمعلومات المهمة من فم هذا الذئب العجوز وبعدها أرى قضية الإنتقام هذه فلكل مقام مقال نظر إلي الشيكور بعينين حزينتين وهو يقول منذ مدة وأنا لا أنام إلا على كوابيس وأشباح تطاردني رغم أني إستعملت كل الأدوية والمسكنات إلا أن النوم هجرني منذ مدة فقال لي وهو يكاد أن يتسول أنا مستعد أن أعوض أهالي الأشخاص الذين قتلتهم بكل تروثي فقط لكي يسامحونني وأجد الراحة والسكينة…
نظرت إليه بصمت وأنا أقول في خاطري هذا حال الدنيا الذي يدعي القوة يموت بالضعف ولعنات الضحايا والأبرياء الذين ماتو والذين مازالوا يعذبون وتسلب ثرواتهم وخيراتهم ستطاردكم في حياتكم وفي قبوركم لن تتركم تنعموا بشرب دمائهم وأكل لحمهم هكذا ببساطة… إذن عمي أحمد قتلت ذاك القاتل المأجور الذي كان يريد قتلك ولكن من هم أولئك الرجال الذين أنقدوك هذه المرة سألته مغيرا دفة الحديث ومحاولا أخذ كل المعلومات من فم هذا القاتل التابع للنظام وإزالة هذه الهالة من الرهبة والخوف التي تحيط عالم الجنرالات العفن والغامض إعتدل الشيكور العجوز في مقعده وهو يقول أنا في الواقع كنت أظن هذان الشخصان من رجالي ولكن فوجئت من معرفة هويتهم الأصلية لم أتوقع أن أكون محمي من قوم طبعهم الخسة والغدر لم أكن أتوقع ذلك مطلقا…
ثم إبتلع ريقه وعاد يروي حكايته من جديد لم أشعر بنفسي إلا والمسدس بيدي ورصاصة إنفجرت وسط رأس القاتل المأجور خرس القاتل الأجير من صراخه وسبه إلى الأبد ونظر الشخصان إلي وقال أحدهم لا تكثرت أسي أحمد القادة معك ظالم أو مظلوم هذا الكلب يستحق القتل وديته عندنا سألته باهتمام كيف وصلتم إلى هنا في الوقت المناسب ومن أنتم؟ أجابني الرجل نحن حرسك الخاص المكلف من طرف القادة فأنت تعلم أن أعدائنا كثر وأنت أصبحت واحد منا ورجلنا المهم لهذا قررت القادة توفير حراسة خاصة لك في الواقع عرف هؤلاء القادة كيف تأكل الكتف فقد إزداد ولائي لهم لحد إن قالو لي ضح بعشيرتك من أجلنا لفعلت لقد وفروا لي كل شيء تماما وأصبحت رجلا مهما في البلاد بسببهم ومن يكون هذا الكلب ومن أرسله…
أجابنيي رجل الأمن هذا القاتل هو أحد رجال زعماء المخدرات المنافس لك ولقد قرر تصفيتك قبل أن تبتلعه أنت هكذا إذن هي حرب عصابات وأنا على أتم الإستعداد لخوضها فلدي المال والرجال والأهم من كل هذا السلطة معي أيضا فمن يهزمني صعدت إلى المنزل لأطمئن على أهلي فوجدت الكل على أفضل حال وإطمئنت على حورية والجنين فأبلغتني أن موعد الولادة قد أصبح قريب وأن علي أن أستعد فأخبرت والدي فكانت بذلك فكانت فرحته عارمة ملأت البيت بهجة وسرورا لاستقبال المولود الجديد ثم جاءني إتصال هاتفي فجأة بعد مدة من الإنقطاع وكان المتصل الضابط الشاب الذي قال لي بحماس لدينا لك مهمة أخرى يا بطل أرنا همتك أجبته بحماس مماثل على الرحب والسعة يا صديقي فلقد إشتقت للعمل قال لي بتهكم فبعد ما جعلت مزاج الشعب كله فرح ونشاط وحماس جاء الوقت لأن نملأ بطونهم من البروتين المغذي سألته وأنا حائر هل سنقوم بإدخال مسحوق العضلات لأصحاب كمال الأجسام….
ماذا ضحك الضابط الشاب كثيرا قبل أن يقول يا لك من داهية لا لا يا صديقي سوف نعتني بالشعب ونقوم بإدخال لحم البقر والخرفان حتى لا نحرمه من شيء أجبته وأنا أتكلم بجدية أظن هذه العملية لا تحتاجني فقط مجرد موظف عادي يقوم بها عاد يضحك من جديد وهو يقول بجد أضحكتني يا شيكور نعم يمكن للموظف العادي أن يقوم بها ولكن إن كان اللحم سليما ولحما حلال سألته وأنا ذاهل ومادا تقصد يا سيدي تحولت نبرته فجأة إلى نبرة حادة وهو يقول إنه لحم فاسد لحم جيفة نستورده من إسبانيا في صفقة مربحة لم أجد أي ربح في هذه الصفقة الفاسدة فسألته كيف تكون مربحة ونحن سندخل لحما فاسد إلى البلاد أجابني بصوت مخيف الصفقة المربحة هي أننا سنبيعه بضعف السعر الذي يوجد في البلاد على أنه لحم مستورد والثانية هي أننا سنشغل الشعب بالأمراض والأوجاع عوض أن يصدع رؤوسنا بشعارات حقوق الإنسان والحق في ثروات البلاد أي شيء يغيب الوعي ويشغل فكر الشعب عن عمل الجنرالات وثرواتهم ويجلب أيضا من ورائه المال ونستفد من أموال الشعب فالأهم عندنا هو أن تحظى عصابتنا بكل الحظ وبكل المناصب العليا وبكل الثروات هذه دروس أعطيك إياها إجعلها دائما في فكرك وعقلك أنت الأن واحد من عصابة الألهة إذن بعد توزيع الأقراص المهلوسة على الشعب الفقير وقتل إرادتهم ووعيهم الأن تتم تصفيتهم جسديا وبالموت البطيء أي شر هذا بل أي زبانية جهنم أتعامل معهم حسن يا سيدي سأقوم بالعملية فقط إعلمني بالوقت سألته وأنا أترك هذه الأفكار التي تزورني من الحين والأخر ولم أسمع جواب منه فرددت قائلا سيدي اسمعني ماذا حصل …يتبع