لا يمكن للإنسان أن ينفصل عن البيئة المحيطة به، وهذه البيئة لا يمكن أن تكون هادئة ولا خالية من التلوث، فنمط الحياة المتغير والمتسارع، ومع التقدم العلمي والتكنولوجي الذي تدور عجلته بسرعة رهيبة، لا يمكن أن نتوقع ألا يكون هناك ضريبة يدفعها الإنسان مقابل هذا التقدم، وهي تعرضه للتلوثات من البيئة المحيطة به.
بوجه خاص، تتعرض الحامل للتلوث السمعي من الضوضاء المحيطة بها؛ بسبب ظروف حياتها، مثل سكنها بجوار محطات القطارات أو المطارات، وكذلك نتيجة لقرب بيتها من المصانع، مما يترك أثراً كبيراً على صحتها وصحة جنينها خلال فترة الحمل وبعدها، ولذلك فقد التقت
أهم ما توصلت له دراسة أمريكية حول علاقة الضوضاء بصحة الجنين
الجنين في رحم الأم
توصلت وكالة حماية البيئة الأمريكية، وخلال كتيب قامت بإنتاجه في عام 1978، إلى أن هناك علاقة وثيقة بين انخفاض الوزن عند الولادة عند الجنين باستخدام تعريف منظمة الصحة العالمية للوزن المثالي للجنين، وبتسجيل المولود لوزن أقل من 2500 جرام، أي 88 أونصة، وبين مستويات الأصوات العالية التي تتعرض لها الأم خلال فترة الحمل، وأن هذه العلاقة من أسباب التشوهات الخِلقية عند الأطفال والتي لم يتناولها العلماء بصورة مستفيضة، واقتصرت أبحاثهم على تأثير الأدوية والغذاء مثلاً على تشوهات الأجنة.
توصل علماء الوكالة الأمريكية أيضاً، ومع استمرار الأبحاث حتى وصلت إلى عامنا هذا إلى حدوث ارتفاع في معدلات العيوب الخلقية لدى الأجنة في الأماكن التي تتعرض فيها الأم الحامل لمستويات مرتفعة من الأصوات المزعجة، مثل بيئات المطارات النموذجية، وكذلك محطات القطارات والسكك الحديدية، ومحطات مترو الأنفاق مثلاً، وقد تم حصر هذه التشوهات الخلقية بحدوث تشوهات لدى الأجنة، فيما يخص الأنبوب العصبي لدى الجنين وتشوهات العمود الفقري، وكذلك ظهور الشفة الأرنبية والفم المشقوق واللسان المربوط.
توصلت دراسات لاحقة، قام بها “ليستر دبليو سونتاغ”، وهو أحد علماء معهد أبحاث “فيلس”، إلى أن البيئة المحيطة بالجنين، سواء كان جنيناً للإنسان أو الحيوان، تؤثر في سلوك الكائن الحي، حيث إن الجنين في الرحم يكون قادراً على إدراك ما يحدث حوله من أصوات خارجية، ويستجيب لها عن طريق تغير معدل ضربات القلب لديه، ومن خلال نشاطه الحركي مما يعني أن البيئة تلعب دوراً كبيراً في تشكيل بنية جسم الجنين.
أشار العالم “ليستر دبليو سونتاغ” إلى أن تأثير الضوضاء يكون في أعلى مستواه في الفترة ما بين 15و60 يوماً من حدوث الحمل وهي المدة التي تتشكل خلالها الأعضاء الحيوية الرئيسية الداخلية للجنين، وبما فيها الجهاز العصبي المركزي.
أكد العالم “ليستر دبليو سونتاغ ” أن هناك تأثيرات تنموية لاحقة تصيب الأجنة، حيث يؤدي انقباض الأوعية الدموية عند الأم بسبب انزعاجها وخوفها من الضوضاء المزعجة إلى تقليل تدفق الدم والأكسجين المحمل بالغذاء للجنين، كما أن هناك تغيراً في مستوى الهرمونات لدى الأم نتيجة لحدوث الضوضاء، وهذه التغيرات الهرمونية تؤثر على نمو الجنين، وقد سجلت الأمهات اللواتي يعشن في بيئات صاخبة وأخرى هادئة فارقاً كبيراً في مستويات الهرمونات لديهن.
تابعي أيضاً: فوائد مدهشة للاستماع إلى الموسيقى في أثناء الحمل
آثار صحية أخرى للضوضاء على صحة الحامل والجنين
تؤدي الضوضاء الصاخبة غير المحتملة إلى حدوث تلف في الجهاز السمعي لدى الأم الحامل وارتفاع نسبة إصابتها بطنين الأذن، وكذلك حدوث إدراك خاطئ للأصوات حولها.
تصاب الحامل التي تتعرض للضوضاء السمعية باضطرابات النوم، وكذلك الشعور العام والمستمر بالتعب والإرهاق وصعوبة الاستقرار النفسي والبدني، بحيث تظل في حالة تنقل من مكان لمكان.
ترفع التفاعلات الفسيولوجية التي تنتج عن تعرض الحامل للضوضاء خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
تسجل النساء اللواتي يتعرضن للضوضاء معدل زيادة كبيراً في التعرض إلى الولادة المبكرة، حيث بينت الدراسات أن النساء اللواتي يتعرضن لأصوات تزيد على 80 ديسيبل ولمدة ثماني ساعات متواصلة؛ قد تعرضن بنسبة كبيرة لخطر الولادة المبكرة مقارنة لمثيلاتهن ممن عشن في بيئة هادئة؛ مثل بيئة الريف، ولم تكن هناك ضرورة لاستخدام طرق منع الولادة المبكرة التي تكون عبارة عن حقن أو حبوب أو الحجز في المشفى لفترات طويلة.
تصاب الحامل التي تتعرض للضوضاء خلال الحمل بارتفاع هرمونات التوتر لديها، والتي تؤدي إلى خطر انخفاض الوزن عند أجنتهن بصورة كبيرة.
نصائح لسلامة الجنين خلال الحمل
الرعاية الصحية للحامل
اهتمي بتغذيتك قبل وأثناء مرحلة الحمل، التي تمتد لتسعة أشهر، حيث يلعب نوع الغذاء دوراً كبيراً في صحة الجنين، وحيث إن الأغذية التي تكثر فيها المواد الحافظة والملونات الصحية تكون هي الأكثر سبباً لإصابة الأجنة بالتشوهات الخلقية.
احرصي على تناول حصة يومية من حمض الفوليك أثناء التخطيط للحمل، وذلك قبل شهرين أو ثلاثة من الحمل المتوقع، وحيث يفيد حمض الفوليك في منع إصابة الجنين بتشوه الأنبوب العصبي بشكل كبير، إضافة لفائدته في تقليل الغثيان الحملي، وزيادة مناعة الأم الحامل، وتقليل خطر إصابتها بالعدوى التي قد تنتقل للجنين وتسبب له التشوهات الخلقية، ويمكن لحمض الفوليك أن يجيب عن تساؤل مهم وهو كيف تخففين من مخاطر العيوب الخلقية عند الأطفال؟ لأن هناك أبحاثاً كثيرة تم إجراؤها على تأثيره وانخفاض وارتفاع مستوياته لدى الحامل وارتباطه بتشوهات الأجنة.
اهتمي بالبعد عن أماكن التلوث السمعي خصوصاً، ولا تقومي بزيارة الأماكن التي يكثر فيها الضوضاء، وحاولي الحصول على إجازة في الريف مثلاً في حال وجود سكنك بالقرب من مصنع أو مطار، خصوصاً في شهور الحمل الأولى.
قللي من تناول المنبهات، مثل القهوة والشاي والمشروبات الغازية، وأكثري من المشروبات العشبية التي تهدئ الأعصاب، والتي تساعد على الاسترخاء والنوم ولكن تحت إشراف الطبيب.
حاولي الحصول على فترات نوم متقطعة والاسترخاء والخروج في الطبيعة والمشي في ساعات الصباح وما قبل الغروب؛ للحصول على أعصاب هادئة ونفسية رائقة تلعب دوراً كبيراً في صحة الجنين.