مرض فقر الدم المنجلي أو الخلايا المنجلية (SCD )، هو اضطراب وراثي حيث تقلل طفرة معينة من قدرة الخلايا الحمراء على نقل الأكسجين، ويكون شكل الخلايا الحمراء مختلفاً على شكل قرص أو شكل أشبه بالمنجل أو الهلال، ما يجعلها صلبة ولزجة وعرضة للالتصاق في الأوعية الدموية الصغيرة، وهذا يعيق أو يبطئ تدفق الدم، ويؤدي إلى انخفاض توصيل الأكسجين إلى أنسجة الجسم، ما يؤدي إلى الألم وتلف الأعضاء.
بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بمرض فقر الدم المنجلي الذي يصادف 19 يونيو من كل عام، التقينا بالدكتور محمد فهد عبدالله استشاري أمراض الدم والأورام لدى الأطفال في مدينة برجيل الطبية بأبوظبي، ليؤكد على ضرورة انتباه الأهل لأية أعراض غير طبيعية والتي قد تكون مؤشراً للمرض، موضحاً أن الأعراض للمرض تبدأ عادةً في مرحلة الطفولة وتكون مصحوبة بألم وفقر دم يتطلب نقل دم مستمر وإصابة المريض بعدوى متكررة، وفي وقت لاحق يمكن أن يصابوا بالسكتات الدماغية أو النوبات، وتلف العظام (نخر الأوعية الدموية)، وانخفاض تدفق الدم إلى القلب والرئتين (متلازمة الصدر الحادة)، وتأخر النمو، يستدرك د. محمد: “عادةً ما يكون المرضى الذين يعانون من سمة المنجل يعانون من الإصابة من دون أعراض، لذلك يطلب الطبيب إجراء التشخيص عبر فحوصات الدم، ويتضمن البحث عن مستويات الهيموجلوبين المنخفضة والخلايا المنجلية المميزة المحيطية، والذي يحدد الفصل الكهربائي للهيموجلوبين كمية HbS التي يتم إنتاجها في الجسم”.
فحص الأمراض الوراثية
يروي الدكتور محمد تجربته في علاج الطفل إبراهيم خلدون، ويبلغ من العمر حالياً 12 عاماً، والذي عانى من مرض فقر الدم المنجلي منذ ولادته يتابع د. محمد: “كان يبكي بشكل غير طبيعي ومستمر ولم يعلم والده سبب بكائه، حتى تم تشخيصه بالمرض عبر فحص الأمراض الوراثية، وقد كشف إصابته بالمرض الذي عانى منه لعشر سنوات، حيث إن والديه وشقيقه وشقيقته جميعهم حاملون لجينات المرض لكن غير مصابين به، طبياً ليس بالضرورة أن يكون مريضاً منْ يكون حاملاً لجينات المرض لكنه قد يورثها لأبنائه ويكون أحدهم مريضاً به، لكن بفضل الله انتهت معاناته عبر زراعة ناجحة لنخاع العظم أجراها له الفريق الطبي في مدينة برجيل الطبية، حيث تبرع له شقيقه عمر 15 عاماً بنقي النخاع”.
أعراض عانى منها المريض
أصيب بآلام شديدة في اليدين
وتفصيلاً، بعد فترة من التشخيص بدأت أعراض المرض بالتطور والظهور أكثر فأكثر على جسد إبراهيم، حيث أصيب بآلام شديدة في اليدين مع تورم في الأصابع وأحياناً القدمين والأكواع ، وكان كثيراً ما يتردد والداه على المستشفى برفقته بين الفترة والثانية للحصول على المضادات الحيوية والمسكنات الوريدية وأحياناً كان يحتاج لنقل الدم، فقد كانت نوبة الألم تصيبه في أي وقت دون مقدمات، وكان يتردد على عدة مستشفيات في مدينة العين؛ حيث كان يقطن للمتابعة والحصول على العلاج لتخفيف ما يشعر به من ألم.
تبرع الشقيق
ظَلَ إبراهيم على هذه الحالة بين المعاناة والألم في أسفل الظهر والعضلات والقدمين والحوض والصدر مع المتابعة الطبية وتناول الأدوية إلى أن وصل عمره 4 سنوات، حتى سمع والدا إبراهيم عن توفر عمليات زراعة نخاع العظم وأنها العلاج الناجع لإنهاء معاناة طفلهما، حيث استقبلهم هناك الفريق الطبي بقيادة الدكتور زين العابدين والدكتور صقر موهان من قسم أمراض وأورام الدم وزراعة نخاع العظم للأطفال، الذين قاموا بإجراء فحص التطابق لكل أفراد العائلة، وكان هناك تطابق كامل مع شقيق إبراهيم ( محمد)، ولظروف معينة اضطرت العائلة للعودة لبلدهم تَوقف الأمل بالشفاء التام حينها لـ 6 أعوام عاش خلالها على الأدوية والمسكنات للأطفال حتى أصبح عُمر إبراهيم 10 سنوات، يتابع د. محمد: “عاد الطفل إلى دولة الإمارات وتم إجراء زراعة ناجحه لنخاع العظم، وذلك بعد أن أجريت له الفحوصات الطبية المخبرية للتحقق من أن إجراء سحب الخلايا والزراعة ستكون ناجحة، بعدها بقي في المستشفى لمدة شهرين ونصف العام، وعندما استقر وضعه تم السماح له بالخروج لكن بقي في العزل المنزلي لمدة شهرين حرصاً على مناعته من التقاط العدوى، وحالياً يتم المتابعة كل 3 شهور للتحقق أنه أموره الصحية مستقرة”.
حفل التخرج
الطبيب مع الطفل المصاب
من اللفتات الجميلة التي قام بها الفريق الطبي في المستشفى، وبقيت محفورة في ذهن إبراهيم، أن نظموا له حفل تخرج وتم قرع جرس الأمل الذي يقوم المرضى بقرعه عادةَ كبشرى سارة للشفاء، كما تم إعطاؤه ملابس رياضية لفريقه المفضل كهدية بمناسبة الشفاء، ما ساهم في رسم السعادة والبسمة على شفتيه.
من جانبه، يؤكد خلدون والد إبراهيم والذي يعمل ممرضاً في أحد المستشفيات، أن طفله بحمد الله عقب تلقيه نخاع العظم لم يشكُ من نوبات الألم التي كانت ترافقه السنوات الماضية نتيجة مرض فقر الدم المنجلي، ولم يدخل المستشفى لله الحمد منذ أن تمت زراعة النخاع، وفي العام الأول بعد الزراعة كان يتلقى دروسه عن بُعد، أما العام الدراسي الحالي فهو يتلقى دروسه حضورياً في المدرسة وهو الآن في الصف السادس، مشيراً إلى أنهم بعد الزراعة قد نسوا المعاناة التي كانوا قد مروا بها لسنوات طوال وسط رحلة الألم التي انقضت بفضل الله.
متى يكون فقر الدم خطيراً عند الأطفال؟
أماكن انتشار مرض فقر الدم المنجلي
ينتشر في أفريقيا جنوب الصحراء والبحر الأبيض المتوسط
مرض فقر الدم المنجلي عند الأطفال، ينتشر في أفريقيا جنوب الصحراء والبحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط والهند، وفي دولة الإمارات يحمل المرضى هذا المرض جينياً وراثياً بنسبة 0.04 – 4.6٪ وعادة ما ينتقل إلى الطفل من كلا الوالدين، ويمكن أن يظهر مرض الخلايا المنجلية على شكل متماثل بمعنى أن الجينات المحمولة من كلا الوالدين تحمل المرض، أو سمة الخلية المنجلية (خلل في جين واحد فقط) أو مجتمعة مع اضطرابات الهيموغلوبين الأخرى مثل بيتا ثلاسيميا (المنجل بيتا ثال) أو الهيموغلوبين سي مرض( SC).
علاج مرض فقر الدم المنجلي
يُشير د. محمد إلى أن علاج مرض فقر الدم المنجلي ونقص الحديد يعتمد بشكل أساسي على إدارة الأعراض، ويتضمن الترطيب المناسب للجسم ونقل الدم وأدوية إدارة وتخفيف الألم أثناء نوبات الألم، يعتبر عقار هيدروكسي يوريا مفيداً في زيادة مستويات HbF وبالتالي تحسين الهيموجلوبين، أيضاً تعتبر الأدوية الأخرى المفيدة في تقليل أزمات الألم وتحسين تدفق الدم وتشمل L-Glutamine و Crizanlizumab و Voxelotor، يعلّق د. محمد: “مع تنوع هذه العلاجات يبقى الخيار العلاجي الوحيد والأنجع لمرض فقر الدم المنجلي هو زراعة نخاع العظم التي يشفى منها المرضى وتتم عبر متبرع من عائلة المريض وذلك بعد إخضاعه لتحاليل وفحوصات طبية دقيقة للتحقق من تطابق الخلايا بين المتبرع والمتلقي لضمان نجاح هذه العملية، ويكون هذا المتبرع عادة من الأشقاء”.
لا بد من الحديث عن وجود أبحاث عديدة وشركات أدوية تعمل على إيجاد علاجات تجريبية واعدة قد تساهم في الشفاء النهائي من مرض فقر الدم المنجلي، كما تعمل جهات بحثية عالمية وهذه الشركات جنباً إلى جنب على تطوير قدرات التنبؤ بالأمراض وتعزيز القدرة على الوقاية منها علاوة على توفير الخيارات العلاجية الشخصية، ومن العلاجات الواعدة العلاجات الجينية التي ستكون ثورة مهمة في عالم طب الأمراض، إضافة لزراعة نخاع العظم التي تعتبر العلاج الشافي وقد أثبتت كفاءتها حتى الآن كونها تعمل على زرع نقي العظم الخالي من الخلايا المعيبة، وذلك عبر منحها للمريض من متبرع يكون سليماً وغير حامل لجينات المرض وغالباً ما يكون من الأشقاء، حيث يقوم الطبيب المتخصص بإزالة الخلايا الجذعية للأطفال من الحبل الشوكي للمريض بمساعدة العلاج الكيميائي، مما يفسح المجال للخلايا المعدّلة ويقوم بعدها نقي العظم الجديد السليم بإنتاج الهموجلوبين للجسم.
نظام غذائي لمرضى فقر الدم المنجلي
يؤكد الدكتور محمد فهد، على أهمية فحوصات حديثي الولادة لفقر الدم المنجلي والتي تساهم في الكشف المبكر وتحديد المرض مبكراً، وبالتالي وضع الخطة العلاجية لتخليص المريض من معاناته. ويوصي باتباع عدة توصيات لنظام غذائي صحي ويناسب هؤلاء المرضى، حيث تنقسم الأطعمة في النظام الغذائي للمُصاب بفقر الدم كما يلي:
1. أطعمة وتعليمات صحية لمرضى فقر الدم
يجب التركيز على اتباع نظام غذائي غني بالحديد للأطفال وفيتامين ب 12 وحمض الفوليك وفيتامين سي، فمن شأن ذلك أن يساعد جسمك على امتصاص الحديد، من بين هذه الأمور:
ينصح بطبخ الخضار عن طريق السلق للحفاظ على الحديد فيه.
يجب الإكثار من تناول الخضار والفواكه الغنية بالحديد، مثل الجرجير، البروكلي، السبانخ، الكرنب أو الملفوف، الفلفل الأحمر والأصفر، الشمام.
يوصى بإضافة الخضار الورقية الخضراء والبرتقالية إلى النظام الغذائي؛ حيث ستساعد في الحماية من الالتهابات، وشفاء الجروح، والحفاظ على صحة العينين والجلد.
يجب التركيز على تناول المكسرات والبذور، مثل: بذور اليقطين، الكاجو، الفستق، الصنوبر، حبوب دوار الشمس.
تناول اللحوم والأسماك، مثل: اللحم البقري، لحم الضأن، الكبد، المحار، الجمبري، السردين، السلمون.
التركيز على الفواكه بأنواعها المختلفة مثل التفاح والبرتقال والموز والعنب والبطيخ والتوت والكيوي والخوخ، يمكن أن توفر هذه الفاكهة الفيتامينات والمعادن والألياف المماثلة للخضروات.
2. أطعمة يجب أن تتجنبها
يمكن أن تتداخل بعض الأطعمة مع عملية امتصاص الحديد في جسم الأطفال، الأمر الذي قد يشكل خطراً على الأشخاص المصابين بفقر الدم ونقص الحديد، لذا يجب إدراج هذه الأطعمة ضمن قائمة توصيات بالامتناع عن هذه الأطعمة، ومن بين هذه الأطعمة يذكر ما يلي:
مصادر الكافيين، مثل: الشاي والقهوة.
حبوب القمح الكاملة.
بعض منتجات الحليب والألبان.
الأطعمة التي تحتوي على مادة العفص، مثل: العنب، والذرة.
الأطعمة الغنية بالغلوتين، مثل: المعكرونة، وغيرها من المنتجات المصنوعة من القمح أو الشعير.
الأطعمة التي تحتوي على الفيتات أو حمض الفيتيك (Phytic acid)، مثل: الأرز البني ومنتجات القمح الكامل.
الأطعمة التي تحتوي على حمض الأكساليك (Oxalic acid)، مثل: الفول السوداني والبقدونس والشوكولاتة.