لا زلت مترددة ولا أعلم من أين أبدأ، هل أخبركم بكافة تفاصيل تجربتي التي مررت بها مع ابني الحبيب “حسن”؟ الجواب نعم! لقد اخترت نقل تجربتي مع نزيف الدماغ مع الأطفال، التجربة التي نزعت مني الإحساس بالأمان والسكينة لفترة، التجربة التي سرقت من قلبي الفرحة التي انتظرتها طوال شهور الحمل.
حكاية “حسن” ومرضه ومعاناته ثم تخطيه بعض الخطوات في رحلة الشفاء بقدر ما علَّمتني الكثير؛ غيَّرتني وأخرجت مني كل صبرٍ وقوة وإصرار كان يرقد بداخلي. وفي المقابل زاد إيماني بالله القادر على كل شيء، وبالعلم الذي ميَّزنا الله به -نحن البشر-، وبنظرة من عيني ابني ولمسة من أصابعه الصغيرة عرفت معنى الرقة، ومدى قدرة الحب وتأثير الحنان.
وأخيراً قررت أن أسردها لكم، فربما أفادت غيري، وحتى تكون أملاً أو دافعاً إيجابياً لأمٍّ أخرى.
عاش معنا التجربة الدكتور كمال مغازي أستاذ جراحة المخ والأعصاب بكلية الطب؛ ليشرح بعد ذلك معنى نزيف الدماغ وأسبابه وعلاماته، ويفسر لنا كيفية تشخيصه.
تجربتي وبداية الحكاية
تجربتي بدأت يوم ولادة ابني في الأسبوع 30 من الحمل
ابني “حسن” يدخل عامه السادس الآن. وبداية الحكاية -والتي لا زلت أحتفظ بتفاصيلها المؤلمة- كانت يوم ولادته، في الأسبوع الـ30 من الحمل وبعملية قيصرية طارئة، ويومها تعرض ابني لضائقة نقص الأكسجين قبل أن تُستكمل الولادة، أصيب باختناق وتوقف عن الحركة، وتم إنقاذه باللحظة الأخيرة، واستطاع الأطباء إنعاشه ونقله إلى العناية المركزة .
وبطبيعة الحال استمر سؤالي وإلحاحي على الأطباء؛ لمعرفة ما يحدث أو ما حدث لابني. فكان الجواب الذي دمرني هو: “ليس هنالك عضو من أعضائه يعمل”.. واستكمل: “هناك نزيف داخلي في الدماغ من الدرجة الرابعة، وهي أقوى درجات النزيف”.
وكانت هذه المفردات كافية لأُصاب بإغماءة أفقت منها بعد عدَّة ساعات، وعرفت بعدها أن 80-90% من الأطفال الذين يصابون بهذه الدرجة من النزيف لا يستطيعون العيش طويلاً، يتوفون في أول أيامهم، والنسبة التي تعيش تعاني من إعاقات شديدة مختلفة نتيجة التلف الكبير للدماغ.
والأسوأ من هذا كله تركز في عدم معرفة الأطباء لمكان النزيف، أو مدى الضرر الذي أحدثه؛ نظراً لصغر حجم الدماغ عند الأطفال في هذا العمر، وكل ما كان علينا فعله -أنا ووالده والأطباء المتابعون- هو مراقبة “حسن” لمعرفة الضرر الذي حصل، وتم ذلك بمتابعة تطوُّره ونموِّه، ودعاء الله أن يحميه ويخفف عنه، وأن يكون الضرر طفيفاً – وهذا كان احتمالاً ضعيفاً- كما أخبرنا الأطباء.
مزايا وعيوب الولادة الطبيعية والقيصرية
الشفاء بالحب والحنان.. والعلاج بضم الطفل للقلب
أخبرني الطبيب حبك -سيدتي- وحنانك هو العلاج الآن
بقي “حسن” 45 يوماً في العناية المركزة، كنت أحمله على صدري من 5 إلى 8 ساعات متواصلة، فقد أخبرني طبيبه: “حبك وحنانك هو علاجه الآن!”، وأصرَّ عليَّ أن أحمله لساعاتٍ طويلة حتى يكون قريباً مني معظم الوقت.
مرَّت الأيام وبدأت حالته بالاستقرار، فقرر الأطباء إخراجه إلى المنزل؛ لتختلط وقتها مشاعرنا – أنا ووالده- بين فرح بقدومه إلى منزلنا، وبين قلق مرير على ما تخبئه لنا الأيام في كل حركة وكل صوت وكل تنهيدة تطلقها تلك الروح الجميلة التي ستعيش وسطنا.
لن أطيل عليكم.. لقد تأخر تطوُّر ابني في كل شيء، فكانت أول ابتسامة له في عمر الأربعة أشهر، وتأخرت حركته وكذلك مفردات اللغة التي ينطقها، ما استدعى اللجوء لأطباء علاج طبيعي، وأخصائيين بالنطق.. ولا زال.
في النهاية أقول لكم: تعبي وسهري الليالي يهون، قلقي وحالات الاكتئاب التي مررت بها عدّت وستهون، أنا سعيدة وقلبي ينطق بالفرحة، راضية بحالي وحال ابني حسن، الذي علمنا معنى الصبر والرضا، ومتى يُشفى الإنسان بالحب المُطّعم بالحنان!.
معنى نزيف الدماغ
يحدث النزيف في أي جزء بالدماغ
وهنا ننتقل للحديث مع الدكتور “مغازي” للتعرف على معنى نزيف الدماغ فيقول:
نزيف الدماغ حالة من الحالات الطبية الطارئة التي تتطلب علاجاً فورياً؛ حيث ينتج النزيف عن انفجار أحد الأوعية الدموية المغذية للدماغ، مما يؤدي إلى تسرب الدم إلى خارج الوعاء الدموي إلى أنسجة الدماغ والأغشية الدماغية.
يمكن أن يحدث النزيف في أي جزء بالدماغ، ربما يحدث داخل الجمجمة أو بين الجمجمة والدماغ، ويؤدي إلى مضاعفات خطيرة تشمل ضعف الجسم وفقدان الوعي والنوبات، والعلاج قد يقلل من خطر إصابة طفلك بمشكلات دماغية (عصبية) طويلة الأمد.
علامات نزيف الدماغ عند الأطفال
إذا لاحظت بعض الأعراض التالية على طفلك، توجهي إلى المستشفى على الفور:
صداع مفاجئ وشديد.
نوبات وتشنجات.
دوار أو إغماء.
حُمى.
غثيان.
تصلب بالرقبة.
غيبوبة.
مشكلة في الرؤية أو الحركة أو الكلام.
علاج النزلة المعوية
أسباب نزيف الدماغ
نزيف الدماغ قد يحدث بسبب صدمة بالرأس
في حالات كثيرة لا يوجد سبب واضح وراء نزيف الدماغ؛ حيث يوجد 1 من بين كل 5 أطفال مُصاب بنزيف الدماغ ولا يوجد سبب واضح للإصابة.
من أكثر الأسباب الشائعة وراء نزيف الدماغ عند الأطفال:
حدوث إصابة أو صدمة بالرأس.
مشاكل بالأوعية الدموية مثل: تمدد الأوعية الدموية في الدماغ.
ارتفاع ضغط الدم.
أمراض الدم مثل، مرض الهيموفيليا.
داء الكريات المنجلية ( فقر الدم المنجلي).
بعض أورام المخ.
ضعف الأوعية الدموية.
داء المويامويا.
تشخيص نزيف الدماغ
أشعة الرنين المغناطيسي أو الأشعة المقطعية.. تعطي صورة للدماغ
في حالة الاشتباه في وجود نزيف بالدماغ عند الطفل وظهور بعض الأعراض السابقة، فقد تحتاج للذهاب إلى قسم الطوارئ على الفور؛ حيث يقوم طبيب جراحة المخ والأعصاب بالفحص البدني للطفل، مع الاستماع إلى التاريخ الصحي له، والأعراض الظاهرة، بعدها يقوم بالفحوصات مثل:
الاختبارات المعملية: تشمل اختبارات تعداد الصفائح الدموية واختبارات أخرى لقياس تخثر الدم.
أشعة الرنين المغناطيسي أو الأشعة المقطعية: تعطي صورة مفصلة للدماغ للتحقق من وجود نزيف بالفعل.
تصوير الأوعية الدموية: تعطي صورة أوضح للأوعية الدموية، يتم ذلك من خلال مرور أنبوب رفيع (القسطرة) داخل الأوعية الدموية الواصلة للدماغ مع إرسال صبغة بالأنبوب لتسهيل رؤية الأوعية الدموية، يمكن أن يتم ذلك الإجراء باستخدام جهاز الرنين المغناطيسي أو الأشعة المقطعية.
دوبلر عبر الجمجمة(TCD): يوضح هذا الإجراء تدفق الدم عبر الأوعية الدموية في الدماغ، حيث يتم استخدامه لمراقبة الأسباب التي قد تؤدي إلى تفاقم النزيف.
علاج نزيف الدماغ
علاج النزيف يتوقف على سبب النزيف وحجمه ومكانه
يعتمد علاج نزيف الدماغ عند الطفل على سبب النزيف وحجمه ومكانه، سواء داخل الجمجمة أو الدماغ أو بين الجمجمة والدماغ.
ويحدث أن جزءاً صغيراً من النزيف قد يُمتص من تلقاء ذاته، ولكن مع متابعة الأعراض وتحت إشراف الطبيب المعالج منعاً لتفاقم الأعراض.
كما تستخدم بعض العلاجات الدوائية في السيطرة على النزيف، ومنع النوبات والتحكم في ضغط الدم داخل الأوعية الدموية بالدماغ.
الشفط البسيط
وقد يلجأ الطبيب للتدخل الجراحي لإزالة الدم المحاصر وتخفيف التورم، أو علاج الأوعية الدموية غير الطبيعية، وتصريف السوائل الزائدة في الدماغ باتباع أحد الإجراءات الجراحية التالية:
يقوم الجراح بعمل ثقب صغير في الجمجمة وباستخدام أنبوب مطاطي صغير أو قسطرة يقوم بتصريف النزيف أو الورم الدموي.
فتح الجمجمة جراحياً:
يلجأ الجراح إلى هذا الإجراء إذا كان حجم الورم الدموي كبيراً جداً؛ حيث يقوم بفتح داخل الجمجمة وإجراء جراحة مفتوحة لتصريف النزيف وإصلاح الأوعية الممزقة.
تفريغ النزيف بالمنظار:
يشبه هذا الإجراء إلى حد ما عملية الشفط البسيط، يقوم الجراح بعمل ثقب صغير في الجمجمة وباستخدام المنظار يتمكن من الوصول إلى مكان النزيف وتفريغه.
إصلاح الأوعية الدموية غير الطبيعية:
عندما يكون سبب النزيف تمدد الأوعية الدموية، يلجأ الجراح إلى هذا الإجراء لإزالة أو إغلاق الوعاء الدموي المسبب للنزيف، وتخفيف الضغط داخل الدماغ.