أجمع مشاركون في النسخة الـ16 للمهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر، على أن الطبعة أفرزت جيلا جديدا من كتاب المسرح، يعد بإعطاء دفع جديد للساحة المسرحية في البلاد، والمساهمة في إنتاج أعمال بإمكانها إفراز تجارب مستجدة لمسرح جزائري بخصوصياته ولمساته، والابتعاد عن أنماط الترجمة والاقتباس.
أكد ناشطون وباحثون على هامش فعاليات الطبعة الـ16 للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، التي احتضنها مسرح محي الدين بشطارزي، بالعاصمة واختتمت نهاية الشهر المنقضي، أن هذه الدورة عرفت بروز نخبة من كتاب مسرح شباب بنصوص إبداعية منفتحة على الآخر ووفية لتراث وتقاليد المسرح الجزائري.
وذكر هؤلاء أن “الساحة المسرحية الوطنية تشهد بروز جيل جديد من كتاب المسرح يبدع في تقديم نصوص تتناول قضايا تاريخية واجتماعية وغيرها، ما خلق نوعا من الدينامية والزخم في القيم الفكرية والجمالية”.
وأفاد مدير المسرح الوطني الجزائري محمد يحياوي بأن الدورة الأخيرة “أفرزت جيلا جديدا يمتلك قناعات فنية وجمالية، ولديه منطلقات علمية صوب الكتابة المسرحية”، مضيفا أن “مهرجان المسرح المحترف يفتح أبوابه أمام تجارب جديدة في الكتابة المسرحية بهدف تشجيعها وربط جسور التواصل بين الأجيال”.
الدورة الجديدة من المهرجان عرفت بروز نخبة من كتاب مسرح شباب بنصوص منفتحة على الآخر ووفية للتراث الدورة الجديدة من المهرجان عرفت بروز نخبة من كتاب مسرح شباب بنصوص منفتحة على الآخر ووفية للتراث
وذهب الأديب والروائي أمين الزاوي إلى أن “قوة الجيل الجديد من كتاب المسرح تكمن في ارتباطه الوثيق بواقع اليوم، وخصوصا وسائل التواصل الاجتماعي، وأن لهذا الجيل اجتهادات حقيقية على مستوى الموضوعات الاجتماعية وأيضا السخرية، وكذلك التوجهات الفلسفية، بينما تتميز لغته بكونها مأخوذة من لغة التواصل الاجتماعي ومصطلحاتها”.
أما الباحث المسرحي حميد علاوي، فقد رأى أن “الجيل الجديد ممن يكتبون للمسرح في الجزائر، يتجه بعمق ونضج لموضوع التاريخ كهاجس رئيسي، وهو واجب إبداعي لقراءة تاريخنا الحافل بالبطولات والمقاومة”، ذاكرا أن “نصه المسرحي الصادر مؤخرا بعنوان ‘غضبة الباي’، هو نص ملحمي وبنفس سردي شغله منذ سنوات بالنظر إلى قيمة ومكانة شخصية المقاوم أحمد باي”.
ولفت الكاتب المسرحي محمد بويش إلى وجود جيل واعد في ميدان الكتابة المسرحية “تنبغي مرافقته وتشجيعه من خلال إنتاج نصوصه من طرف مسارح الدولة، وأن كتابة النص المسرحي انتقلت من الاقتباس والترجمة من نصوص أدبية عالمية وجزائرية، إلى مرحلة إثبات الذات والإبداع وهي من أصعب أشكال الكتابة، لأنه ينبغي على ممارسها أن يكون قارئا نهما وذا ثقافة موسوعية، وأيضا متحكما في تقنيات الكتابة المسرحية”.
ودعا المتحدث النخبة الجديدة إلى الابتعاد عما أسماه بـ”الاندفاعية والعاطفة، وتقديم قراءة متأنية وواعية للتاريخ وفهمها ضمن سياقها، لأن مواضيع الكتابة الجديدة تطغى عليها الكثير من النصوص التي تتناول مسائل التاريخ وتسقطها على عالم اليوم، ولكن الكثير منها تسقط في فخ الاستنساخ والاستعجالية”.
وتوجت مسرحية “ثورة” للمخرج عبدالله مربوح، وأنتجها المسرح الجهوي سيدي بلعباس بغرب البلاد، بجائزة أحسن عرض متكامل، بينما عادت جائزة لجنة التحكيم إلى مسرحية “حلاق إشبيليا ” للمخرج حبال البوخاري، والكاتبة سعيدة فاسي، وإنتاج المسرح الجهوي بعنابة.
وحازت مسرحية “صفار” للمخرج هارون كيلاني، من مسرح الأغواط، على جائزة أحسن إخراج، في حين عادت جائزة أحسن سينوغرافيا لمسرحية “ايشو” التي أخرجها عبدالقادر عزوز، من مسرح بسكرة، في حين توج محمد كمال بناني من المسرح الجهوي عنابة بجائزة أحسن موسيقى عن مسرحية “حلاق إشبيليا”.
وعادت جائزة أحسن أداء نسائي لكل من عديلة سوالمي من المسرح الجهوي معسكر، عن دورها في مسرحية “يوم قبل القيامة”، وبسمة دعماش من المسرح الجهوي الأغواط عن دورها في مسرحية “صفار”، كما توج الكاتب والروائي محمد بورحلة، بجائزة أحسن نص مسرحي عن مسرحية “يوم قبل القيامة” للمسرح الجهوي معسكر.
وتقاسم جائزة أحسن أداء رجالي، كل من عبدالقادر روابحي، من المسرح الجهوي الأغواط عن دوره في مسرحية “صفار”، وربيع أجاووت من المسرح الوطني الجزائري عن دوره في مسرحية “البونكي” التي أخرجها فوزي بن براهيم.
واستقطبت العديد من الأعمال اهتمام المختصين والجمهور، على غرار مسرحية “حلاق إشبيليا”، المقتبسة عن نص للكاتب الفرنسي بومارشيه، وأنتجها المسرح الوطني بالعاصمة، عرضت المسرحية مؤخرا في الجزائر العاصمة، وهي مقتبسة عن نص كلاسيكي بنفس العنوان للكاتب المسرحي الفرنسي بيار بومارشيه، من طرف الكاتبة والمترجمة سعيدة فاسي، وأخرجها حابل بوخاري.
ويتناول العرض قصة كوميدية هزلية لسيد من الطبقة الراقية، وهو الكونت المافيفا، الذي يرغب في الزواج من الشابة اليتيمة روزين، الخاضعة لوصاية طبيب يدعى بارتولو، والذي يريد هو الآخر الزواج منها، غير أنه بفضل خادمه حلاق إشبيليا فيغارو، يتمكن “الكونت المافيفا” من الفوز بروزين.
وحول سر اختيار نص كلاسيكي لعرضه في المسرح، صرح المخرج حابل بوخاري بأن ذلك يعود إلى رغبته في “إنتاج عرض يجمع بين الكوميديا، والغناء والهزل وقد حفزه ذلك على إعداد هذا العرض”.
كما قدم المسرح الجهوي بالأغواط مسرحية “صفار”، وهو عمل يفضح قوى الشر في العالم ويناصر القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث تتطرق إلى مجموعة من قيادات العالم التي ارتكبت مجازر إبادة جماعية وهم يمثلون قوى الشر وفي المقابل هناك شعوب مكافحة تسعى إلى كسر قيود الاستغلال والاحتلال.
وأجمع فريق الإنتاج على أن العمل يندرج ضمن المسرح المقاوم الذي يتفاعل مع مستجدات الراهن الدولي، خاصة مع ما يجري حاليا في غزة من اعتداء صارخ على الشعب الفلسطيني من قبل المحتل الصهيوني، حيث عبر نص المسرحية في الكثير من المحطات الحوارية عن أحقية الشعوب العربية والأفريقية في الحرية والأرض، وسعيها إلى إبطال خطط القوى الانتهازية.