بالمكر والخداع ونشر الدسائس والصراعات بين الجنرالات قضى الجنرال قايد صالح على كل ملوك الطوائف بالجزائر والبالغ عددهم سبعة هم / أولاً: الفريق أول محمد العماري رئيس أركان الجيش وكان يلقب بالرجل القوي. ثانياً: خالد نزار وزير الدفاع الأسبق وعضو في المجلس الأعلى للدولة. ثالثاً: اللواء شريف فوضيل قائد ميداني في الجيش عُرف خلال فترة الأزمة الأمنية في الجزائر حيث شارك في قيادة عمليات قتل المواطنين. رابعاً: اللواء محمد قنايزية قائد في الجيش ترقى إلى منصب نائب وزير دفاع. خامساً: اللواء إسماعيل العماري وقد شغل منصب الرجل الثاني في المخابرات. سادساً: اللواء العربي بلخير قائد عسكري وكان الجميع يخاف منه. سابعاً: الفريق محمد مدين الذي كان يلقب “برب دزاير” لأنه صانع الرؤساء في الجزائر وكان له دورٌ كبيرٌ في الكثير من القرارات المهمة التي تم اتخاذها خلال الفترة التي قضاها على رأس جهاز المخابرات…
لم يكن قايد صالح وجها جديدا على المشهد العسكري الجزائري على كل حال فالضابط الذي قاد عددا من الفيالق التابعة لجيش التحرير بعد الاستقلال وكان قبل ذلك جندي في صفوف الجيش الفرنسي بباتنة وبعد استقلال أُمضى عامين في الاتحاد السوفياتي خاضعا لدورات تدريبية انتهت بترقيته لرتبة لواء في التسعينيات ليعود ليتسلم قيادة القوات البرية إبان العشرية السوداء حيث كان أحد أكثر الجنرالات دموية في قتل المواطنين أو “المتمردين” كما أطلق عليهم خلال التسعينيات… وشأنه شأن العديدين من جنرالات الجيش كان صالح يحمل ذات النظرة لشكل العلاقة التي تربط الجيش بالسياسة فلطالما فضّل حكومة يقودها جنرالات لا مدنيون مقتنعا أن الجنرالات هم أفضل من يصنعون القرار السياسي و على ما يبدو كان يحلم بأن يكون رئيس للجزائر وهو ما دعاه عشية تسليم الرئاسة للجنرال “اليمين زروال” عام 1994 للتساؤل بصوت عالٍ حول عدم منحها له شاعرا بأن جميع الضباط يتعمدون تهميشه وإقصاءه عن المناصب القيادية الرفيعة لذلك كان صالح بعد ذلك مضطرا لدفن طموحاته السياسية لأعوام طويلة والانزواء إلى الظل بعد أن خذله رفاقه مرة تلو مرة قبل أن يستدعيه بوتفليقة إلى الضوء ويرقيه إلى رتبة فريق ويسلّمه قيادة أركان الجيش الشعبي بدلا من الجنرال العماري ليُحكم قايد صالح بتلك الخطوة سيطرته على المؤسسة العسكرية بشكل كامل ويبدأ عملية انتقام وتطهير فقد سارع لاستبعاد عدد من المحيطين به ممن حاولوا نسج شبكة نفوذهم الخاصة مثل “العربي بلخير” و”بن فليس” مستخدما أسلوب خصومه وعبر بوابة “مكافحة الفساد” حمَّل صالح المخابرات مسؤولية الخرق الأمني الذي سهّل تسلل المخربين لمنشأة أميناس مطلع 2013 قبل أن يتخذ الرئيس قراره في سبتمبر 2013 بحل “مصلحة الشرطة القضائية” إحدى المؤسسات الأمنية الرئيسة التابعة للمخابرات وإلحاقها بالجيش ثم شنَّ هجوما ضاريا على مديرية الإعلام التابعة للمخابرات أيضا متهما إياها بالفساد المالي لتُحال إلى المحاسبة ويتم إلحاقها بالجيش وإقالة قائدها العقيد عبد القادر “فوزي” لوناس وتعيين العقيد “عقبة” المعروف بولائه المطلق لصالح بدلا منه في الشهر نفسه موقعا جهاز الاستخبارات في صدمة أعجزته عن الرد… هذه التحركات السريعة للقايد صالح وحلفائه كانت كافية لتوجيه ضربة حاسمة لإمبراطورية مدين الأمنية الكبيرة ضربة تفرّغ بعدها صالح لتفكيك شبكة الجنرالات الموسعة التي شكّلها الرجلُ طوال ربع قرن… تم بدأت عملية عزل وإقالة عشرات الجنرالات والضباط الكبار بذريعتي مكافحة الفساد وتنظيم الجيش بينهم قادة الحرس الجمهوري والأمن الرئاسي ومكافحة التجسس ليتم بذلك استكمال تجريد “مدين” من أنيابه بالكامل حيث اكتفى “الجنرال توفيق” بصمت غامض طوال عامين تقريبا صمت لم يكسره إلا اعتقال صديقه المقرب اللواء حسان … وعلى مدار الخمس سنوات توسعت حملة الإقالات وطالت حزمة جديدة من جنرالات القوى البرية والجوية الذين استُبدلوا لصالح جنرالات مقربين من صالح في الوقت نفسه الذي جرى فيه منع آخرين من السفر مثل اللواء “مناد نوبة” القائد السابق لجهاز الدرك الوطني العام إضافة إلى ثلاثي القوة الشهير المؤلف من “سعيد باي” و”عبد الرزاق شريف” و”لحبيب شنتوف” القادة السابقين للنواحي العسكرية الثلاث إقالات مَثّلت اللمسات الأخيرة لسيناريو جلوس القايد صالح على عرش الجزائر.