لو دخلت الشرطة إلى أية مؤسسة عمومية تختارها عشوائيا لاكتشفت ملفات أكبر بكثير من اختلالات 16 ألف مليار ديون اتصالات الجزائر من المؤسسات العمومية بسبب الهاتف والإنترنت والسبب أن لا أحد يراقب وإذا راقب لا أحد يحاسب وإذا حاسب لا أحد يعاقب. سياسة الإفلات من العقاب تعتبر من الثوابت الدستورية في هذه البلاد ولهذا يقول المثال الشعبي المال السايب يعلم السرقة.
ذكر المدير العام للمجمع العمومي لخدمات الهاتف الأرضي والنقال لاتصالات الجزائر ان الهيئات والمؤسسات التي تدين لشركته بهذا الرقم الثقيل أي 16 ألف مليار سنتيم هي الشركات المملوكة للدولة والإدارات العمومية والوزارات وحتى البلديات. وأضاف المدير شكلنا لجنة على مستوى اتصالات الجزائر و مركز سيتابع سير عملية هيكلة الديون مضيفا ان هذه اللجنة ستسمح بتصنيف أو جدولة الديون سواء بدعوة أصحاب المؤسسات إلى دفع الدين الملقى عليها أم عن طريق تحويل الملفات إلى العدالة للفصل فيها.
الأموال المستحقة التي تحدث عنها المدير العام للمجمع العمومي لخدمات الهاتف الأرضي والنقال لاتصالات الجزائر ليست قليلة وتحصيل نصفها وليس كامل قيمتها كفيل بالتخفيف من الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها خزينة الدولة وتخفيض عجز الموازنة وتقليل الاعتماد على الاقتراض لسد فجوة التمويل .الرقم مغرٍ لحكومة تعاني الأمرّين في توفير مصادر للتمويل وتعويض خسائر انخفاض اسعار البترول. ولم تترك بابا للاقتراض إلا طرقته محليا وإقليميا وعالميا. و الظاهر أن تحصيل هذه الأموال ليس بالأمر الهيّن ولو كانت الحكومة بكل مؤسساتها قادرة على ذلك لفعلت.
حالة تهرب عن دفع مستحقات الدولة ليست جديدة وتراكمت على مدى سنوات طويلة مع فارق أن من كان يمتنع عن التسديد في الماضي هم المتنفذون(المسؤولون الكبار) ! فيما يطبق القانون بحذافيره على الآخرين (المواطن البسيط). اليوم الحال تغير وبات كل فرد مؤهلا لمناكفة الحكومة وضرب الحائط بقراراتها وحقوقها من خلال الاستنكاف عن تسديد ما يترتب عليه من ضرائب وهو تصرف يكرّس الاستقواء على الدولة وسط حالة الضعف التي تسيطر عليها والتردد في جعل فكرة دولة القانون راسخة ومتينة. ما يحدث أن ثمة تهاونا في إنفاذ القانون وتطبيقه بدون استثناء وبعدالة وثمة فجوة ثقة يتسع مداها بين الحكومة والناس تفتح الباب لرفض تسديد حقوق الخزينة. إذن الحل مرتبط بشكل وثيق بسيادة القانون وتطبيقه على الجميع بعدالة وتحقيق هذه الغاية يتطلب من الحكومة البدء بحملة معلنة لتحصيل حقوقها شريطة أن تبدأ بالتطبيق على المتنفذين قبل المواطن العادي برسالة واضحة حاسمة لا تردّد فيها بأن على الجميع تسديد ما عليهم.
العدالة في الجزائر مازالت ظرفية وملفات الجرائم الاقتصادية الكبرى لا تصل تلقائيا إلى المحكمة إلا إذا كان خلفها مسؤول كبير متضرر.