خلق اعتقال مدير قناة ” كا.بي.سي” مهدي بن عيسى، رفقة مدير الإنتاج رياض حرتوف و المديرة المركزية بوزارة الثقافة نورة نجاعي، زوبعة حقوقية و سياسية على نطاق واسع وصل صداها إلى مدى دولي، حيث ستعرف باريس تجمعا شعبيا للمطالبة بالإفراج الفوري عن الثلاثة، معتبرة أن خلفية الاعتقال سياسية.
و في نفس السياق دعت جمعية الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج إلى تنظيم تجمع شعبي أمام القنصلية الجزائرية بباريس على الساعة الثانية و النصف زوال اليوم، و ذلك احتجاجا على ما أصبح يعرف بقضية قناة ” كا.بي.سي”.
و وقعت عدة منظمات خارجية ضمت 20 منظمة حقوقية و صحفية من دول عربية و أوروبية بيانا موحدا يطالب السلطات الجزائرية بالإفراج عن مهدي بن عيسى و رياض حرتوف و نورة نجاعي، و ورد البيان باللغة العربية و الانجليزية و الفرنسية، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول حرية التعبير؟
مجال حرية التعبير محاط بأسلاك شائكة من علامات الاستفهام، فليس هناك إبداع بدون حرية، و ليس هناك إعلام بدون حرية، و ليس هناك فن بدون حرية، و ليس هناك ثقافة بدون حرية…
فلا يمكن البناء بدون نقد لا تسيجه خارطة طريق تحدد المسار مسبقا، فأدبيات النقد تستدعي قوالب فنية تعتقد في الحرية كأداة ناجعة لتشخيص الأمراض المسكوت عنها، و تحاول تشريحها و علاجها بأدوات فنية و إعلامية و إبداعية…
فكلما طال مقص الرقابة الطويل باعتقالاته الإبداع إلا و تشرد البناء و ساد الهدم و الفوضى المؤسسة على بنيان لا ترسو سفنه إلا على مآقي الظلام.
قضية ” كا.بي.سي” يجب أن لا تمر كرياح تشرين الحزين، بل يجب استدراجها لنقاش عقلاني حقوقي بعيدا عن المزايدات السياسية و الحقوقية، من أجل طرح واقع حرية الإعلام في الجزائر…
ما تعرضت له قناة ” كا.بي.سي” من مصادرة معدات الإنتاج و اعتقال مهدي بن عيسى و رياض حرتوف و نورة نجاعي، هو في الحقيقة مصادرة لحرية التعبير و اعتقال للرأي الآخر.
ما يجب نقاشه الآن هو التشريعات و النصوص القانونية التي تحد من حريات التعبير من أجل تحيينها و جعلها تتماشى مع الإلتزامات الدولية للجزائر و تعهداتها مع المواثيق الدولية، فلا يمكن أن يجد الصحفي أو الفنان نفسه يحاكم محاكمة صورية كأنه مجرم، في وقت هو يقدم إبداعا و فنا يستعمل فيه أدوات فنية و ليست إجرامية.
الرقابة على حرية الإعلام و الإبداع و النقد هو حرث في الهواء، فلا يمكن أن نتصور إعلاما ذات اتجاه واحد و أحادي، و لا يمارس مهمته الأساسية في نقد الداء و تشريحه و محاولة علاجه إعلاميا، فالتعددية هي مفتاح أي علاج لأمراض المجتمع و الدولة، و الحرية هي المدخل الرئيسي لبناء الممكن و استشراف المستقبل.