إن حجم الثروات التي هرّبت إلى الخارج بواسطة زبانية الحكم و من سبقهم كبيرا جدا و يبدو أنّ محاولة حصرها وعدها و إحصائها سيتطلب سنوات و قد يعجز الخبراء و المحاسبون عن ذلك بسبب إتلاف الملفّات التي يتُورّط فيها المسؤولين الكبار الفاسدين. و يذكّرنا المشهد بأموال قارون التي لا يُعلم مداها بل يُعرف فقط أنّ الصناديق التي بها مفاتيح خزائنه يعجز عن حملها أقوى الرجال، كما جاء في الآية الكريمة إِنّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىَ فَبَغَىَ عَلَيْهِمْ و آَتـيْـنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوّةِ. [القصص/ الآية 76]. أمّا ما أمكننا معرفته فلا يتعدّى البلدان التي وزّعت فيها تلك المليارات، فاعلم أيّها الشعب الجزائري أنّ ثروتك قامت برحلة حول العالم تشمل جميع القارّات ثروتنا و قُوت أبنائنا لم تسافر إلى سويسرا و فرنسا فقط بل طارت إلى بلدان الخليج و أمريكا اللاتينيّة و دول إفريقيّة جنوب الصحراء حيث دخلت في مشاريع استثماريّة فعقولنا عاجزة عن استيعاب ذلك الحجم من النهب الذي أتى على ثروات البلاد و حوّلها إلى جيوب عصابة أخطبوطيّة.
الأموال المنهوبة لم تكن فقط على حساب النهوض بتعليمنا و صحّتنا و البنية التحتيّة لكلّ شبر من وطننا بل كانت أيضا على حساب قُوتِنا اليوميّ و ملبسنا و رغد العيش لكلّ فرد من أفراد هذا الشعب الذي يُعدّ بعشرات الملايين مثلما هو موجود في البلدان الشقيقة إنّنا 40 مليون لا نساوي شيئا بالنسبة إلى الصين أو الهند فلماذا كلّ هذا الفقر الذي نسمع به لماذا يشكو الجزائري من فواتير الكهرباء و الهاتف… و كيف صار الناس في هذا الوطن يحلمون بمن يسدّد عنهم مجرّد فاتورة منتفخة و يطلبون قرضا للعيد و قرضا للعودة المدرسيّة و قرضا للسكن و آخرون اكتشفنا أنّهم لا يملكون قوت يومهم و يبيتون في أكواخ تحت سقوف تتسرّب منها مياه الأمطار و الحال أنّنا سمعنا ببرنامج محاربة البيوت القصديرية في أيّام بومدين و لا فائدة من ذكر الصناديق التي سرقها زبانية الحكم. مسكين أنت أيّها الشعب الفقير فقد سرقوا أموالك التي كانت ستوفّر لك العلاج المجانيّ و التعليم الجيّد و النقل المريح و العيش الكريم فقد خطّطوا لينهبوا ثرواتك و صوّروا لك الفقر كأنّه قدر من الله فاستفق الآن فأنت تعيش في بلد غنيّ جدّا تعلّم كيف تغيّر مطالبك و اطمح مثلا للسفر إلى بلدان العالم للسياحة مرّة في السنة كما يفعل فقراء أوروبا و فكّر بأن يكون لك سيّارة تغيّرها بعد سنوات قليلة و بيت لائق تمتلكه دون أن تكرّس كلّ حياتك المهنيّة لتسديد قرض سكن بحجم علبة السردين قفْ من الآن فصاعدا في وجه من يسرق أموالك حتّى لا تبقى مواطنا فقيرا في دولة غنيّة.
أولى خطوات الإصلاح هي باختيار رجال مسؤولين مخلصين لهذا الوطن يطبقون القرارات ويعملون باخلاص لأن هذه النوعية من الرجال هي التي تحافظ على الوطن وعلى المواطن الحجاج بن يوسف الثقفي اشتهر بأنه ظالم وسفاك للدماء ولكنه في الحقيقة كان مخلصاً لعمله مخلصا لوطنه حصلت على يديه الكثير من الفتوحات الإسلامية لكن السبب الرئيسي لشهرته هو انه مخلص لوطنه مخلص في أداء عمله لكن الذي يحصل عندنا أن معظم الوزراء ومعظم القياديين مخلصين لمصالحهم وجيوبهم أليس من حق الشعب الجزائري شعب الشهداء والمعتقلين والمناضلين والمجاهدين أن يكون لديه حكومة وطنية نظيفة خالية من الفساد بإرادة سياسية صادقة مدعومة من الكم الهائل من الشرفاء وعزمهم على العمل من اجل الوطن والمواطنين.