يظن مهندسو النظام أن أحسن طريقة لإمتصاص غضب الشارع هو خلق مسرحيات ( غضب تبون من حداد وغضب بوتفليقة من تبون ) ولكن هذه المسرحيات لا تنطلي على الشعب لإن الطريقة الوحيدة لنزع فتيل التوتر اليوم من الشارع الجزائري هي إعطاء الدولة إشارات قوية حول رغبتها في محاربة الفساد ومظاهره وفتح النقاش حول الإصلاحات الدستورية ومحاسبة لصوص المال العام والقطع مع احتكار العائلات للمناصب والثروات وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية فليست هناك وصفة سحرية لإعادة ثقة المواطن بالنظام إلا بمباشرة الإصلاحات فورا في كل ساعة و كل يوم و كل أسبوع فكل شهر يضيع دون الشروع في هذه المهمة يصب في مصلحة من يسرقون خيرات الوطن ويمتصون دماء فقراء.
في بلادنا سوقوا لنا أن عجلة الإصلاحات دارت منذ أكثر من 18 أي مند سنة 1999 والمشكلة أنهم الآن يسوقون أن هذه العجلة توقفت فجأة في السنوات الأخيرة عن الحركة لأسباب كثيرة بعضها مرتبط بمرض الرئيس و بحسابات النظام والمحيطين بالنظام الذين عملوا على خلق الفراغ حوله لعزله عما يحدث على أرض الواقع وبعضها الآخر مرتبط بالنخبة السياسية التي ظلت تقايض مطالبها الإصلاحية بالحقائب الوزارية. فاليوم يجمع الكل في الجزائر على ضرورة تحريك عجلة الإصلاحات بعد تشحيمها حتى تدور دون أن يسقط جزائري واحد في الشوارع بسببها فأهمية الاحتجاجات الشبابية من أجل المطالبة بالإصلاحات تكمن بالضبط في قدرتها على تحريك هذه العجلة التي عجزنا جميعا صحافيين ومناضلين وسياسيين وطنيين عن تحريكها رغم مطالبتنا عبر مقالاتنا التي يقرؤها الآلاف من المواطنين كل يوم فمنذ سنوات طويلة ونحن نصرخ ونندد ونستنكر ونحتج ضد الظلم والفساد إلى الحد الذي أصبحنا معه نخير القضاء بين أمرين إما اعتقالنا أو اعتقال هؤلاء اللصوص الذين يسرقون جيوبنا ورغم ذلك لم نفلح في تحريك هذه العجلة الثقيلة التي وضع فيها بعض الانتهازيين والوصوليين عصيهم الطويلة فالحركة الشبابية يجب أن تكون عامل محرك لعجلة التغيير دون أن تصبح أداة رهيبة للضغط في أيدي السياسيين والحزبيين المندسين في ثياب الحقوقيين؟ فأهم شيء يجب أن يكون الآن هو أن تصبح إرادة الإصلاح ملموسة والمطلوب تنزيلها على أرض الواقع لكي يلمسها المواطنون في حياتهم اليومية.. في أحياء سكنية أكثر أمنا وفي محاكم أكثر عدلا وفي مستشفيات أكثر نظافة وفعالية وإنسانية وفي مدارس حقيقية للتعليم وليس للتجهيل وفي مقرات أمن تحترم آدمية المواطن وفي إدارات عمومية خالية من الرشوة وأمام شاشات تلفزيون عمومي يتحدث فيها الجزائريون بحرية ووضوح حول ما يهم حاضر أبنائهم ومستقبلهم وفي فواتير ماء وكهرباء عادلة .
البعض يشعر بالخوف بسبب ما يحدث حولنا في العالم العربي لكنني شخصيا أشعر بنسمة من التفاؤل لمستقبل الجزائر وسط هذه الأعاصير التي تطوح بأنظمة العربية فالجزائر أمامها فرصة تاريخية لكي تدير عجلة الإصلاحات وتتقدم نحو المستقبل دون أن تريق نقطة دم واحدة مفوتتا بذلك الفرصة على الذين يريدون رؤية أبنائها يتناحرون في ما بينهم. وطبعا فعملية إدارة عجلة الإصلاحات تتطلب تضحيات سياسية جسيمة وتستدعي تغيير جدري لنظام الدولة من أعلى وتغيير لكثير من عادات النظام السيئة والعتيقة لكي تتماشى مع روح العصر. كما تتطلب إدارةُ عجلة الإصلاح القطعَ مع سياسة التسامح واللاعقاب فهناك الكثير من اللصوص الذين يتمتعون بالضمانات التي يمنحها لهم القضاء الفاسد والمرتشي يجب عرضهم على المحاكمة لكي يرجعوا الأموال التي نهبوها.