أصبحت مؤسسات البلاد الاقتصادية والمالية والسياسية والإعلامية مقسمة بين نفوذ الحرس القديم والجديد لكرسي الرئاسة وكل من يغامر بالاقتراب من المياه الإقليمية للآخر يرى كيف يتعرض «رجاله» للتنحية السريعة إلى درجة أن البلاد أصبحت مقسمة إلى قسمين تتعارك داخلهما المصالح والامتيازات وتتحول فيهما المؤسسات العمومية إلى رقعة شطرنج والمدراء إلى لاعبين يتم تحريكهم وإسقاطهم حسب ما تقتضيه أمزجة اللاعبين الكبار. وإذا كان هناك فريق والذي يلعب في صفوفه حداد مسؤوليته تسيير ثروة الأسرة الحاكمة وشؤونها الخاصة و استطاع هذا الفريق أن يمد أذرعه باتجاه قطاع المال والأعمال فإن في الجهة المقابلة هناك فريق والذي يلعب في صفوفه تبون استطاع أن يمد أذرعه باتجاه المال والأعمال والسياسة والقضاء هكذا وطيلة العشر سنوات الأخيرة لم يعد نفوذ الفريقين مقتصرا على إدارة شؤون الأسرة الحاكمة المالية والسياسية وإنما أصبحت للفريقين مصالح خاصة خارج أسوار بلاط الأسرة الحاكمة يدافعان عنها ويبحثان لتنميتها وتطويرها.
أحد أهم الفصول في كتاب عالم السياسة الإيطالي الكبير ميكيافيلي يدور حول حاشية الأمير ونصيحة ميكيافيلي للأمير لكي يظل في مأمن من كمائن حاشيته ومكرها وشرورها هي أن يفعل ما بوسعه لكي يظل أفراد هذه الحاشية متخاصمين لأن اتحادهم وصفاء الأجواء بينهم قد يجعلهم يتحدون ضده ويتواطؤون على الإطاحة به. لذلك ففي كل البلاطات التي يسود ملوكها ويحكمون هناك خنادق يحفرها أفراد هذه الحاشية يختبئون داخلها ويشنون انطلاقا منها غاراتهم ضد زملائهم في الحاشية لإضعافهم أمام الملك وجلب غضبه عليهم. المشكل هو عندما تتحول هذه الحروب إلى رياضة وطنية لدى أفراد الحاشية وتصبح مؤسسات الدولة ووزاراتها وقودا لهذه الحرب. هذا بالضبط ما يحدث في الجزائر منذ تولي بوتفليقة الحكم أحاط نفسه بأسرته و بزملائه واغلبهم شرذمة من المرتزقين وبحكم وظيفة كل واحد منهم داخل مربع السلطة كان بعضهم أقرب إلى الرئيس من البعض الآخر. لكن أحدهم وبحكم قرابته الأسرية من الرئيس (أخوه سعيد) استطاع أن يستغل هذا القرب لإعادة صناعة صدر أعظم جديد للبلاد يتجاوز نفوذه وسلطته وجبروته وتسلطه حدود ما كانت عليه سلطات ونفوذ وتسلط الجنرال توفيق الرجل القوي وصانع الرؤساء. ومثلما استعمل سعيد قربه من الرئيس لإشاعة جو من الرعب في عالم السياسة والمال والأعمال استطاع أيضا أن يشيع الرعب داخل رجالات السلطة وذلك بسبب حربه المفتوحة مع الرعيل السابق. إن صراع حداد وتبون والذي وصلت أصداؤها إلى صفحات الجرائد والمجلات في أكثر من مناسبة يعتبر التجسيد الحي للحرب الشرسة داخل المحيط الرئاسي بين رجال الحاشية الأقوياء. وهناك مثل أخر فعندما تجرأ سلال الوزير الأول السابق وحضر إلى منزل احد خصوم سعيد السابقين عشية اكتساح حزب أفلان للانتخابات رأى سعيد في هذا التقارب بين سلال والحرس القديم تفسيرا منطقيا لما كان يروج من كون سلال يريد تحويل وجهته وولاءه إلى الحرس القديم و مشروعه السياسي الذي سيحكم البلاد بعد بوتفليقة كما يروجون فلم تمر إلا أيام حتى توصل سلال برسالة نصية قصيرة عبر هاتفه النقال تخبره بإقالته من منصبه.
يخلط أغلب أصدقاء و المقربون من الأسرة الحاكمة بين وجودهم في خدمة الوطن وبين إشرافهم على مشاريعهم الاقتصادية الخاصة وهذا الخلط لا يسلم من استغلال النفوذ ولذلك فالوضع الذي تعيشه الجزائر اليوم والذي يفرض علينا جميعا أن نقول الحقيقة للشعب يدفعنا إلى القول إن الجمع بين الوجود داخل المحيط الرئاسي وبين الوجود داخل محيط المال والأعمال ليس في صالح البلاد لأن تجاوزات هؤلاء المحيطين بالرئاسة تنعكس مباشرة على البلاد والعباد ولأنه من الصعب أن يلجم الإنسان شططه وهو يرى أن الجميع يخاف من شخص ما بسبب حكم قربه من الرئيس لأن استمرار الوضع على ما عليه يزيد من احتمالات العصيان المدني في أي لحظة.