بلادنا كانت دائما أرضا مصدرة ومستقبلة للهجرة وشهدت في السنوات العشر الأخيرة تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء يحدوهم الأمل في العبور إلى أوروبا والبحث عن مستقبل أفضل. لكن مع الأزمة الإقتصادية الأوروبية بدأت أعداد منهم تفضل الاستقرار في بلدان العبور كالجزائر وتحولت البلاد في العشر سنوات الماضية من بلد عبور المهاجرين خاصة من أفريقيا جنوب الصحراء نحو أوروبا إلى بلد استقبال واستقرار لهؤلاء المهاجرين لا سيما مع الأزمة المالية الأوروبية.
كنا من قبل نحلم بالهجرة من الجزائر إلى أوروبا ولكن اليوم بدأت تلوح في الأفق بوادر الهجرة العكسية من أروبا إلى الجزائر بسبب الأزمة الاقتصادية لإتحاد الأوربي فقد أصبح الكثير من المهاجرين يفضلون الرجوع لأرض الوطن بسبب البطالة التي يعيشونها في ديار الغربة. وهناك آخرين فضلوا استثمار بالوطن واستقرار وهذه الهجرة العكسية كلها لا تخيف أكثر مما يخيف تدفق الأفارقة إلي الجزائر وبهذا الكم الغير متوقع والذي يؤدى إلى نشوء واقع متضخم فوق التوقعات وحامل لأضرار دينية واقتصادية واجتماعية أبعد مما يتصور. ومما أشاهده وأعدّه بنفسي أن عدد الأفارقة الذين يمرون من مدينتا كل يوم يفوق الخمسين وهم من قبل كانوا يأتون على أمل العبور إلى أوروبا والآن بنية التوطين وأصبح يتوالدون في الجزائر ويتجمعون في أماكن معينة وبذلك يشكلون خطرا على البلد فهم قد يحملون أمراضا معدية وقد يوجد فيهم من هو مجرم قاتل أو يوجد فيهم من هو جاسوس لان أغلبهم بدون هوية. بالأمس لما كان الأمن هو من أولويات الدولة الأجنبي الذي يدخل بصفة قانونية يراقب ويتابع والآن نرى العكس المئات الأجانب يدخلون ويجولون ويصولون وكأنهم مواطنون.
في ظل تفاقم المشاكل الاجتماعية التي يتسبب فيها هؤلاء وتزايد شكايات المواطنين ضد شبكات الجريمة والنصب على الطريقة الإفريقية وذكرت مصادر أمنية أن الحملات الأمنية ضد المهاجرين الأفارقة تجاوزت مرحلة الحملات المنظمة واتخذت طابعا يوميا في ظل تنامي معدلات المهاجرين من جنسيات إفريقية المستقرين بالجزائر وتفاقم حدة المشاكل المرتبطة بتواجدهم وأضافت المصادر أن أسلوب الحملات المنظمة لم يعد يجدي نفعا مع المهاجرين الذين تأقلموا مع هذا النوع من الحملات. وقدرت المصادر ذاتها عدد المهاجرين الأفارقة الموجودين بولايات الغرب وحدها بما يفوق 10 آلاف مهاجر من جنسيات مختلفة ولم تخف مصادر أن وجود المهاجرين الأفارقة أصبح يطرح خطرا أمنيا في ظل وجود شبكات الجريمة والنصب والاحتيال على الطريقة الإفريقية. أفارقة ينحدرون من بلدان مختلفة مثل مالي والنيجر والكاميرون وغامبيا وناميبيا تسللوا إلى تراب الجزائر عبر الحدود الجنوبية مع دولتي مالي والنيجر بحثا عن فرص عمل يجنون منها المال لتأمين مصاريف مغامرة بحرية نحو السواحل الإسبانية. لكن سرعان ما تحولت أحلامهم الوردية هذه إلى كابوس، اضطروا إلى امتهان الأعمال الشاقة في محال البناء مقابل أجر زهيد في حين وجد الكثير منهم التسول تجارة مربحة لكن الأسوأ في الأمر هو دخولهم عالم الجريمة من بابها الواسع من تزوير للعملات وتكوين شبكات دعارة.
وبين فشل هؤلاء الأفارقة في تحقيق حلمهم في السفر إلى أوربا ورفضهم العودة إلى بلادهم يفضل أغلبهم البقاء في الجزائر رغم أوضاعهم الاجتماعية المزرية لكن وباعترافهم هي أقل بأسا من تلك التي كابدوها في أوطانهم الأصلية مع التمسك ببصيص من أمل في الرحيل نحو القارة العجوز “أوروبا” في يوم من الأيام.