للمال العام حرمة كبيرة، وحماية عظيمة بموجب الشرع الحنيف، وهو أشد في حرمته من المال الخاص لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، وقد أنزله عمر بن الخطاب منزلة مال اليتيم الذي تجب رعايته وتنميته وحرمة أخذه والتفريط فيه قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)﴾ (النساء)، ولقد تهاون الناس في أيامنا هذه في الاعتداء على ثروات الأمة وأباحوا نهبها واستغلال مرافقها لمصالحهم الخاصة
حجم الفساد ببلادنا أكبر مما نتخيله، فقد نُهبت الجزائر وسُرقت ثروتها بطريقة منظمة، ووزعت على اللصوص وقطاع الطرق الذين تجردوا من إنسانيتهم، وانخلعوا من وطنيتهم، ولكي ألفت الانتباه لحجم المأساة فإنه في السنوات القليلة الماضية استولت الحكومة بالأمر المباشر على مساحات من الأراضي تساوي مساحة خمس دول عربية مجتمعة، وهي فلسطين ولبنان وقطر والبحرين والكويت؛ أي ما يعادل 67 ألف كيلو متر مربع، بالإضافة إلى مئات المليارات التي هرِّبت وأودعت بنوك أوروبا، وهذا كله أدى إلى نهب منظم لكل مرافق الدولة ومواردها من كبار الموظفين وصغارهم، مستحلين ما حرمه الله تعالى، وانقسم الناس إلى قلة قليلة تملك كل شيء، وكثرة كاثرة وأغلبية ساحقة فقيرة معدمة مجهدة لا تملك خبزها، ولا دواءها، ولا ما تسد به رمقها ويحفظ لها كرامتها وحياتها. أيها المسؤولون أيها السراق، أيها المجرمون أما يكفيكم ما أخذتم من الملايير؟ لماذا أنتم مصرون على خراب بلدكم؟ أنتم كمن يشرب من ماء البحر لا يروي ظمأه، ولا يشبع نهمته. ولمحاربة هؤلاء يجب أن يكون المجتمع واعيًا لحقوقه مدركًا لمسئولياته والتي منها محاسبة المسئولين والأخذ على أيديهم وفضحهم إن لزم الأمر في وسائل الإعلام فمن واجبنا حماية المال العام وحراسته والمحافظة عليه، ولا يعفى في هذا أحد، والعلماء لهم دور كبير في ذلك بما لهم من كلمة مسموعة وهيبة في نفوس الناس.
يجب أن يكون اختيار من يتولون المناصب العامة قائمًا على الأمانة والعفة وحسن الخلق بالإضافة إلى الكفاءة، والعلم كما قال يوسف للعزيز: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)﴾ (يوسف)، وكما قالت ابنة الرجل الصالح في حق موسى- عليه السلام- ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ﴾ (القصص: من الآية 26)، وأن نبتعد في من نقلدهم أمور الناس عن المحاباة والمجاملة للعائلة أو الحزب أو الجماعة وان تكون الكفاءة والنزاهة هي المعيار.