تعيش العاصمة الموريتانية نواكشوط أجواء غير عادية باستضافتها لأشغال القمة العربية ال 27، و التي تأتي هذه السنة في أجواء عربية متوترة على جميع الأصعدة، أرق سياسي و اقتصادي و اجتماعي تختزله عبارة الأزمة العربية.
و حجم الانتظارات من قمة اختار لها العرب شعار “قمة الأمل”، أي أمل نحمله للإنسان العربي التواق إلى معانقة الحرية و الكرامة و الإحساس بالإنتماء للحضارة العربية التي تخلفت عن كل المواعيد منذ أزمنة غابرة.
ماذا يمكن للعرب تقديمه من أمل لشعب جريح في رقعة عربية تدعى سوريا مهد الحضارة العربية؟ شعب متشرد يتسول في عدد من الدول العربية و الأوربية لقمة عيش تحافظ على وجوده البيولوجي؟ أين توصيات العرب في إنقاذ ما تبقى من سوريا؟
و هناك ليبيا و اليمن و دول عربية أخرى تعاني في العمق، أين موقع القمة العربية من السفح العربي؟
26 قمة عربية مرت و لم تستطع زرع بذرة أمل واحد، اللهم التوترات و الصراعات الأحادية و الثنائية و التموقفات في غياب المواقف، صراعات بالجملة، بعضها معلن، و كثيرها مضمر، و الخارطة العربية رموزها المبيانية شتات، و بؤرها الجغرافية تقتات من التشردم و التفرقة، في وقت الأمم الأخرى تؤسس للإتحادات و تلغي الجوازات، و تحقق المستحيلات.
قممنا شاحبة تنظر لعالمنا العربي الكبير من القمة المتنقلة في الزمان و المكان، و السفح يعج بخيباتنا و انتظاراتنا من قادتنا العرب، ماذا لو حملت قمة نواكشوط في جدول أعمالها نقطة واحدة و هي إلغاء جميع الخلافات السياسية بين الدول العربية؟ سيكون هذا حدثا استثنائيا يخرج عن روتين القمم العربية.
قمة عربية افتقدت في جميع دوراتها السابقة إلى النجاعة و الجرءة في مقاربة عدة ملفات ملتهبة، و بقيت لغة الخشب محشوة بالتنديد خطابا رسميا لا يطعم جائعا عربيا، و لا يعيد الاستقرار لشعب فقد بكارة الاستقرار، و لا يبني استراتيجية اقتصادية للتعاون بين الإخوة في الظاهر و الأعداء في الأعماق، و لا يعطي أملا لوحدة عربية بإمكانها خلق الاستثناء في هذا العالم بقرار يربك حسابات السياسة الدولية.
ما بين القمة العربية ال 26 و القمة العربية 27 التي انطلقت اليوم بنواكشوط، زادت الأمور سوء و تدهورت الأوضاع الصحية و النفسية للدول العربية، فما جدوى القمم و نحن نعيش في سفح الحضارة العالمية التي أنهكت و أرهقت الشعوب العربية التي لا حول و لا قوة لها إلا اختبار صبرها في تحمل الطغيان و الجبروت الداخلي و الخارجي.
كم قمة عربية مرت، و فلسطين مغتصبة؟ و الأوطان العربية تسقط واحدة تلو الأخرى؟ فتن و تطاحنات داخلية هنا و هناك؟ ماذا استفاد العرب من قمم تنتهي في البيانات الختامية كأي صفحة أخيرة من رواية تاريخية؟
انطلقت اليوم القمة العربية و حجم أسئلة و انتظارات المواطن العربي ـ الذي ربما في غالبيته لا يعلم شيئا عن شيء اسمه القمة العربية ـ تفوق تجمعا للقادة في يومين ثم يرحل كل زعيم إلى بلاده، و الاستعداد للقمة المقبلة التي ستنظمها دولة عربية أخرى.
و الأمل كبير في أن تشكل يوما ما القمة العربية مفهوم القمة في أبعادها و حمولاتها من قبيل الكبرياء و الكرامة و عزة النفس و الوجود و القيادة …، و تقفز بهذه الشعوب العطشى لأي شيء خارج الروتين العربي.